الأحد، 14 فبراير 2010

قصة قصيرة / نهج الحيوان / لغيث الرواحي

بسم الله الرحمن الرحيم

نهج الحيوان
ل : غيث بن حمود الرواحي


تأخرت كليلة عن الحضور إلى مجلس الملك يوما فاستنكر هذا الفعل منها فعد عدة البطش بها من بعد صدها عنها فشحذ مخالبه وأجرى بعض الحركات الإحمائية لعضلاته فلما رأى دمنة هذا الفعل من الملك وقد أحتكم عليه الغضب قرر أن يخلص كليلة من هذا المصير المعدود لها ... تقدم دمنة إلى الملك المبجل وقال بعد أن خر راكعا أمام الملك ليستجدي عطفه ...


ـ يا ملك الزمان ويا عارف ما يكون وما كان هلي بشيء من انتباهكم الجليل


فلما رأى الملك هذا الحال من التمني والترجي من قبل دمنة أشفق عليه وقال ...


ـ قل ولكن أقتصر و اختصر


فقال دمنة أن القلوب أذا غضبت فجرت وإذا أحبت ملكت وأني وكليلة نحبك حبا لا تحده النجوم طولا ولا تحكمه البحار عرض ... فقال الملك أن مثل ما قلت حكاية التيس ...


اتكأ الملك على عرشه ونظر إلى البعيد وكأنه ينظر إلى التيس وقد أعجب برشاقته وحسن جمال وجهه وعظيم مرتبته فعاير الصحب بأناقته وبفصاحة لسانه فتموج في مشيته وأسجع كلامه وغمز جفنيه لكل أنثى ـ من فصيلته وغير فصيلته ـ واختال وتكبر فضاق الجميع صبرا من فعله فتحيلوا الحيل والحلول فصدهم عن تطبيق ما مكروا مرتبة التيس في عائلته النبيلة فبلعوا ضيمهم في جوفهم حتى قرب أن ينفجر ...


في ذات يوم أرتحل أحد التيوس إلى المرج القريب ليختار عروسا له فمر في دربه على غراب قد بلغ من العمر عتيا حتى ابيض ريشه الأسود من الشيب وحمل من كل سنين عمره الحكمة والمعرفة في الأمور و موازينها فكال في كل شيء مكيال لا يخرج عنه الصواب فعرض التيس على الغراب ما كان من أمر التيس المتكبر فقلب الغراب المحكي عن التيس في فكره حتى تذكر صدفة قصة الآدمية و الإنسان ...


فقال الغراب اسمع أيه التيس إن أمر صاحبك هذا ما هو إلا إعادة أعادها الزمن لقصة الآدمي وأخيه الإنسان حيث زعموا أن إنسان أعطي من المال والنسب نصيب وافر وفاق من حوله في كل شيء فكان ذلك دافعا لغطرسته وتعاليه فاجتمع الجمع على تأديبه لكن كلما جاءوا بحيلة لذلك صدهم عن تنفيذها ما كان عليه قدره ومرتبته فتكلم آدميا منهم يوما بعد أن تحلقوا في أحد بيوتهم إن الرجل من الإنس مربوطا بالآدميات ربط الخيل بسنامها ومحكوم بهن حكم الفارس على الخيل فاختاروا من بناتكم من جمعت الجمال والحيلة والفطنة فأنهن إذا دخلن قلب الإنسان قلبن موازينه ويغيرن إن شأن عزه ذل وغناه فقر فيبدلن طبعه كأنما يخلعن عنه عباءته و يلبسنه غيرها فراق الرأي لعلية القوم وصغارهم فنسجوا الشراك حتى وقع فيها الإنسي وتولع بحب أحد الآدميات فأصبح خاتما تخلعه حين تشاء وتلبسه حين تشاء وتديره حين تشاء فارتاح القوم من أمره إلى إن أتى ما يفرق الجموع وما لا يحس من بعده الجوع ...


فعلم أيه التيس أن الحب مفتاح ما لا يفتح وأنه سلطان إن يكن في القلب حكم المحبوب كل شيء في المحب وأن الحب نسيم لا تمنعه المقامات ولا الأموال ولا شيء آخر عن العبور ...


استبشر التيس خير وأشرق وجهه وتفتحت أساريره ورجع إلى قومه دون أن يبلغ مقصده فحدثهم عن الآدمي والإنسان فنفذوا عبر تلك القصة إلى التيس فكان الدواء الناجع له ...


أراد الملك أن يفتح فمه ليقص هذه القصة على دمنة فرأى كليلة قادمة إليهم فتأخر عن ذالك ...


ـ تمت ـ





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق