الأحد، 14 فبراير 2010

قصة قصيرة / في سوق مطرح؟لغيث الرواحي

بسم الله الرحمن الرحيم

في سوق مطرح

لــ:غيث بن حمود الرواحي


قريبا من البوابة البحرية كنت جالسا في سوق مطرح على الكرسي الخشبي المواجه لمحل "دوسب وبخيت لبيع المستحضرات التجميلية والعطور" هذا ما صرحت به اللافتة أما ما يباع فهو أكثر وأعم من المعروض بالفعل .. بخيت ودوسب يبيعان أنواعا أخرى ضمنها ما يمكننني القول أنه عطاره علاجية فقد سمعت البائع في المحل يمدح لشابة غير مهتمة بصوت البائع الفضائحي وصفة في يده وأثرها في تقوية المسائل الرجالية ..


جلست في نهاية الكرسي وفي النهاية الأخرى منه جلست منقبتين في انتظار بعل لأحدهما وأخ للأخرى كما أعتقد كان يشتري بعض من الماء من مقهى" أبناء حجي " كان سيطلب العصير لكن أحداهما احتجت بالوقت كي ترفض عرضه ـ ولا أدري ما رابط الوقت برفضها ـ وقبلت بقليل من الماء البارد مع هذه الرطوبة ..


ما جعلني أهتم بهاتين السيدتين نظرتهما إلى فساتين السهرة ذات حمالات الكتف والصدر والظهر العاري المعروضة في المحل المقابل لا أظن أن النظرات الصامتة منهما كانت بريئة ففي بعض المرات قد يزين الشيطان الرقص لعابد متصومع ..


لم يطل جلوس السيدتان فقد أشار الملتحي الواقف على نافذة المقهى بأزوف الوقت ووجوب شراء حذاء جديد لجمانة التي لا أعرف عنها إلا أن قياس رجلها تسعة عشر .. هم ذهبوا وبقيت أنا أراوح مكاني أعد الناس نظريا لا حسابيا فبعض الأشكال من المارين من أمامي تجعلك تضحك فهي تظن نفسها في أبها حلة بملابسها الغبية والبعض الآخر يجعلك تحترمه لأنه احترم ملابسه ونفسه ..


هي من النوع الثاني كانت تتفقد الفساتين في المحل المقابل وتوقفت طويلا أمام الفستان الوردي المقلم بشرائط بيضاء تدور حوله وتتقاطع حتى تنتهي في الذيل .. أظنها ليست من النوع الذي يشتري مثل هذا حتى لمناسبة زوجيه حمراء فهي تذكرني جدا ببنات قريتي حتى احسبها منهن وليس بينهن إلا القليل مما لا يعد من تلبس مثل هذا الفستان ـ عاري الصدر والضيق وكأنه الترزي فصله ليخنقها .. أمعنت النظر فيها وقد شدتني بسمتها وهي تحادث رفيقتها ذكرتني بعهد مضى حين كنت في القرية أجلس في الطريق أنظر الذاهبة والآتية في عز الحر والبرد كانت أيام صبيانية مرحة ..


أخذتني الذكريات بعيدا حتى إني لم أعد أرى أمامي وكأني في عالم آخر ودون تمهيد جاء أبو سليمان أو أحدهم وجلس بقربي حتى جانبني جنب لجنب لم أدرك مقصده حتى مد لي هاتفه المحمول وقال بعد ابتسامة افتتاحية " العتب على النظر " وطلب مني بأسلوب لائق حاجته في قراءتي لرسالة نصية واردة فلبيته بكل سرور .. الرسالة من ابنه سليمان يطلب من والده إرسال رصيد له فقد شارف على النضوب من جواله كانت هذه فحوى الرسالة مغلفة بأسلوب رائق يبدوا أن عائلة أبو سليمان مؤدبة ..


أعدت الهاتف لأبي سليمان وكنوع من فتح الحديث قال لي أنه أرسل له رصيد في الأمس ولم يصدمني هذا بقدر ما صدمني أن عمر سليمان لا يتجاوز الربيع الحادي عشر .. مضى أبو سليمان في دربه بعد أن لمس مني عدم التجاوب في الحديث ـ فأنا أفتقد هذه المهارة ـ مضى وهو يمسك خاصرته فأدركت أنه لا يشكوا فقط من النظر بل له علل أخرى ..


حل الظلام سريعا كأن أحد الشيوخ قد خلع بردته السوداء المهيبة فأدلى الليل بسحر على سماء مطرح فتحركت صوب سيارتي الواقفة أمام مركز الشرطة عند المدخل أتمنى أن لا يحجزوها هم طيبين لم يفعلوا ذلك من قبل ..


شدني بائع القهوة بصدى فناجينه وأنا أسير في السوق لكن للأسف هو ينذر بانقراضه بجلوسه على الأرض وملامح وجهه المتهالك والتعبة من ذكرياتي القديمة أني حظرت مع أبي إلى سوق مطرح في يوم غائر من عمري كي أخيط نعالي و جلست وأبي على قارعة الاسكافي ومر بنا بإبريقه المورى من تحته الجمر في إناء مربوط بخيوط الحديد إلى الإبريق بصنعه وحرفة يسهل فكه ويصعب انفكاكه صب لأبي فنجان لا أذكر ما حدث بعدها لكني أذكر أن نعلي كان لونه بني غامق ..


في الاتجاه الآخر وبالقرب من "مخزن زينت لتحف والهدايا" جلست عجوز تطلب الناس أحسانا ومعروفا أعطيتها الفكه المتبقية من النصف ريال الذي كان في جيبي عصرا ليست عادتي أن أكون كريما مع هذه الظواهر لكنها كانت سمحة ووقورة في وجهها شيء من جدتي كانت من عروق هذه الأرض لا أظن أنها تمد يدها لمجرد أنها لم تشتري "سنِكر" بالأمس ..


خرجت من السوق ولم تبقى إلا البوابة الخارجية ليكون خروجي رسميا وفي الساحة المبلطة أمام قوس المدخل جلس جمع غفير من الرجال مستديرين في جماعات ليلعبوا لعب مختلفة منهم من أمسك "بالورقة" وآخرين فرشوا الكرتون "لدومنة" كان أبو سليمان أحد هؤلاء الرجال ومنهم رجل وجهه كأني أعرفه ولم يدم طويلا عصري للوجوه في مخي فوجهه ليزال طازج الولوج إلى ذاكرتي الصورية فقد أعطيته قبل قليل "فكة" النصف ريال ..


ـتمتـ
مدونة الطالب على الشبكة
gheyath.blogspot.com





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق